صدر تقرير التنمية البشريّة الأوّل عام 1990 بهدف إعادة الناس إلى قلب عمليّة التنمية فيما يتعلق بالخطاب الاقتصادي وفي مجالات وضع السياسات وجهود الدعوة. وكان الهدف طموحاً وبسيطاً في آن واحد، وكانت له تبعات بعيدة الأمد تمثلت في تجاوز الاعتماد على الدخل كمؤشر لتقييم مستوى رفاه الشعوب على المدى البعيد وتحقيق التنمية للشعب، من قبل الشعب ولأجل الشعب مع التشديد على أنّ أهداف التنمية هي خيارات وحريّات.
ويُركّز كلّ تقرير على موضوعٍ أساسي في سياق النقاش التنموي الجاري ويوفر تحليلاً ريادياُ وتفصيليّاً ويقدم توصيات لإصلاح السياسيّات . ولقد تبنت العديد من الشعوب حول العالم رسائل التقارير والأدوات المتاحة لتطبيقها كما تجلّى من خلال إصدار تقارير التنمية البشريّة الوطنيّة على المستوى القطري في أكثر من 140 دولة.
تقارير التنمية البشريّة العربيّة تأسيساُ على التقاليد التي أرستها تقارير التنمية البشريّة العالميّة، أصبح تقرير التنمية البشريّة العربية معلماً هاماٌ من معالم الحوار والنقاش بشأن جدول أعمال الإصلاح من أجل تحقيق التنمية البشريّة في المنطقة العربيّة.
واستجابةً للإحساس الملح بين صفوف العرب بالحاجةإلى تناول هشاشة الوضع في الدول العربيّة في مطلع الألفيّة الجديدة، صدرت السلسة الأولى من تقارير التنمية البشريّة العربيّة (2002-2005) لتجمع فرقاً من المثقفين والممارسن العرب بهدف تحليل المعوّقات الأساسيّة التي تعترض سبيل التنمية البشريّة في المنطقة والتي حددتها التقارير في ثلاثة نواقص في: المعرفة والحريّة وتمكين المرأة.
وبعد أن أبرز التقرير الأوّل هذه النواقص الأساسيّة في عام 2002، بدأت السلسلة منذ التقرير الثاني بتناول كلّ من تلك النواقص على حده بالتحليل المعمق. وصدر تقرير عام 2003 تحت عنوان " بناء مجتمع المعرفة" وتناول قضية نقص المعرفة في المنطقة العربية وعالج مواضيع تتراوح بين نوعيّة التعليم وحريّة الرأي والتعبير. وخلص إلى أنّه لا يُمكن للدول العربيّة أن تزدهر وتُحقق تنمية بشريّةً فعليّةً إلامن خلال الاهتمام بتأسيس مجتمعات المعرفة.
واستعرض التقرير الثالث الصادرعام 2004 تحت عنوان" نحو الحريّة في الوطن العربي"، الجهود المبذولة على ساحة الإصلاح السياسي وركّز على محدودية الحريّة والحكم الرشيد والحاجة إلى إصلاحات محوريّة تُعالج القيود السياسية التي تعيق التنمية البشريّة في العالم العربي.
وفي ختام السلسلة الأولى من التقارير، سلّط تقرير التنمية البشريّة الذي صدرعام 2005 تحت عنوان "نحو نهوض المرأة في الوطن العربي"، الضوء على النقص المتمثل في التباين بين الجنسين في العالم العربي واستعرض ما تم إحرازه من تقدم وما بقي من التحديات، وحلل العوامل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والقانونيّة التي تعيق تمكين المرأة.
وبفضل المنهجيّة الدقيقة والعمليّات التشاركيّة والتغطية الإعلامية الواسعة حول نتائج سلسة تقارير التنمية البشريّة العربية حققت التقارير تأثيراً بالغاً. فعلى المستوى الإقليمي، شكّلت نتائج تقارير التنمية البشريّة العربية مرجعاً رئيسياُ لمشاريع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والتي ركزت على سبيل المثال على إدخال أدوات ضمان الجودة إلى الجامعات العربيّة، وتقييم مناهج تعليم الرياضيّات والعلوم على مستوى التعليم الابتدائي والمتوسط وتعزيز المشاركة العامة بشكل أوسع في العمليّة السياسيّة وبناء القدرات الإقليميّة ‘على التدريب والبحوث حول القضايا المرتبطة بالنوع الاجتماعي. كذلك تجلت الكثير من توصيات تقارير التنمية البشريّة العربية على المستوى الوطني من خلال خهود التغيير التي تراوحت بين إصلاحات في التعليم والاستثمار في البحث والتنمية وإصلاحات انتخابيّة ومبادرات لمكافحة الفساد ولزيادة مشاركة المرأة في البرلمانات.
هذا ويستمر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشركاؤه في مناصرة التنمية البشريّة من خلال هذه المقاربة المشهود لها بالنجاح فيفتتح تقرير التنمية البشريّة العربية لعام 2008، سلسلة ثانية من التقارير تُركّز على موضوع الأمن البشري. وفي التقارير الأربعة التي ستصدر حتى عام 2011، ستعالج السلسلة التحديات البارزة التي تعترض سبيل الشعوب في المنطقة العربيّة مع التركيز على معوقات التنمية البشريّة التي ترتبظ بتهديد أمن الشعوب في حياتهم وسبل معيشتهم. ومن خلال التحليل الرائد للتقارير، ونشر محتوياتها على نطاق واسع، سوف تستمر تقرير التنمية البشريّة العربية بتحفيز العمل على تحقيق التنمية البشريّة في العالم العربي.
تقارير التنمية البشريّة الوطنيّة في الدول العربيّة وتتيح تقارير التنمية البشريّة الوطنيّة لشركائناعلى الصعيد الوطني وضع التنمية البشريّة في صدارة جدول أعمال السياسة الوطنيّة عبر التركيز على تلك المواضيع التي تهمّ كل البلد بشكلٍ خاص. وتقرير التنمية البشريّة الوطنيّ يمثل أداة لتحليل السياسات بشكل يعكس أولويّات الشعب، وتدعم القدرات الوطنيّة، وبمشاركة شركاء وطنيين، لتساعد في تحديد حالات اللامساواة وقياس التقدّم، ومن ثم تقترح تقارير التنمية البشريّة الوطنيّة حلولاً على مستوى السياسات جرى تطبيقها في دول عبر العالم. ولقد تمّ إعداد حوالى 50 تقرير تنميةٍ بشريّةٍ وطني من جانب فرق قُطريّة في الدول العربيّة.
مقدمة
تقرير التنمية البشرية للعام 2011، والذي يصدر من المكتب الإنمائي للأمم المتحدة، ويعتمد في بياناته محلياً من مكاتب اليونيسكو، يشير إلى تحسن التنمية بشكل عام في العالم، وأن البشرية تمر في أروع لحظاتها من ناحية طول العمر، والصحة، والحياة الأسهل، والإنجاز، ومؤشراتها مطمئنة رغم التكثيف الاعلامي على المعاناة والاضطرابات، وهي لاشك كذلك موجودة، لكنها لا تمثل النسبة الحقيقية في التركيز. إن الإعلام في العمق لا يمثل الحقيقة، بل جزء من الحقيقة، كمن يروي جانباً من المبنى، هو يصف الحقيقة، لكنها ليست كل المبنى، الحقيقة بشكل عام كل الدول العربية تطورت ولو درجات بسيطة علي مقياس التنمية (باستثناء ليبيا الوحيدة التي تراجعت قليلاً جداً: درجة من واحد من ألف)، وهذا مبشر. المشلكة فقط في كون العالم يتطور بسرعة أسرع من معظم الدول العربية، باستثناء الامارات والبحرين وقطر.استرجعت النرويج مرتبتها الأولى على العالم، بعد أن فقدتها لأيسلنده السنة الماضية، لكن آيسلنده التي أثرت فيها الأزمة المالية والبركان المستمر تراجعت بحدة للمرتبة الرابعة عشر! الولايات المتحدة بالمقابل تقدمت بشكل ملحوظ في حقبة أوباما واليسار وصارت الرابعة عالمياً، بعدما كانت في العشرية الثانية في السنوات الماضية في حقبة بوش والمحافظين الذي أرجعوها سنوات للوراءبالاضافة لليابان وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ وإسرائيل وسنغافورة فإن أوربا والأمريكيتين والقارة الاستراليا تلتهم المواقع التسعة والعشرين الأولى.
أفريقيا:
كالعادة، تحتل أسوأ المواقع في العالم تنموياً، وتحتل معظم المواقع المتأخرة الخمسين أول دولة أفريقية تنموياً هي جنوب أفريقيا، وهي تحتل المرنبة 123 على العالم، التالية هي غانا 135 ثم البقية كلها أدناه. أسوأ الدول العربية هي أفضل من أفضل الدول الأفريقية
الوطن العربي:
الامارات هي الأولى عربياً (30 عالمياً)، عاملة بصمت وبعيدة عن التيارات المتشنجة، وبعيدة عن الصراعات السياسية، وتعمل بانسجامية. قطر بعدها (37)، وثم البحرين (42). هذه الدول العربية الثلاث هي في تقسيمة "تنمية بشرية عالية جداً". هذه الدول بالذات البحرين، بسبب الاضطرابات التي جرت فيها، جديرة بالتقدير والاحترام كدول جادة استطاعت أن تجتاز حاجز الجدل، والنقد، والتكاسل، والثوراث، والاضطربات، وتسجل حياة كريمة لمواطنيها ومشرفة للوطن العربي كله في تقسيمة "تنمية بشرية عالية" جاءت المملكة العربية السعودية أولاً، الرابعة عربياً (56 عالمياً)، وملاحظ أن السعودية في عهد الملك عبدالله قفزت قفزات عالية جداً تجاوزت الصعوبات فيها وصارت تنمية بشرية عالية، وقد كانت في تصنيف التنمية البشرية المتوسطة طوال فترة حكم الملك فهد ومن سبقه من الملوك والحكومات. يعيق السعودية فقط الوضع المنخفض جداً الذي تسجله في حقوق المرأة والحقوق السياسية. ورغم أن المملكة أخذت اجراءات جادة في هذين الموضوعين، غير أن ذلك للأسف ليس كافياً ولن يكون مسعفاً في السنوات القادمة، والتي ستشهد فيها المنطقة بأسرها تغييرات جذرية وكاسحة، ومع وجود ولي العهد الجديد الأمير نايف بن عبدالعزيز فإن المؤشرات لا تنبئ بالتحسن في هذين المجالين، كون الأمير نايف، وهو رجل أمني متميز قضي على الإرهاب وفكك فلوله وخلاياه في شامل المملكة، إلا أن المرحلة القادمة تتطلب قيادة متفتحة غير أمنية تؤمن بالخيار الشعبي، وهذا ما لا يتبناه ولي العهد الجديد، لو صار ملكاً. المؤمل أن يتم الملك عبدالله، كتب الله له الشفاء والقوة، بقية الاصلاحات التي بدأها في عمل انفتاح أكبر في المملكة، وتوسيع الخيارات الشعبية، ورفع مستوى الحقوق السياسية وحقوق المرأة، وفصل رئاسة الوزراء عن الملك استعداداً لحق استجواب ومحاسبة رئيس الحكومة، لتنزيه مقام الملك من ذلك كونه رئيس السلطات والأب القانوني للجميع . في المنزلة الخامسة جاءت الكويت (63 عالمياً))، مخفقة بشكل مخيف ومرعب في سباق التنمية وهذا ينبئ بأن الكويت بهذا الانخفاض قد تكون أول الدول الخليجية التي ستسير على منوال الثورات العربية التي تنتظر نتائج سوريا واليمن، وستستمر في غالب الظن حتى تطيح بكل الأنظمة الحالية، وتمهد لاجتياح غربي مرتقب، ومؤيد عالمياً، كون العرب لا يحسنون إدارة ثرواتهم وموارد الطاقة التي يحتاجها العالم وتؤثر في قراراته. انخفضت الكويت من 29 في السنة التي توفى فيها الشيخ جابر الأحمد أمير البلاد والشيخ سعد العبدالله، أنذاك والسنة التي تليها، إلى 33، إلى 34، إلى 43، إلى 63، وحقيقة أن الكويت لم تشهد هذا الاخفاق في عصر من عصور شيوخ الكويت منذ الشيخ صباح الأول كما شهدته في عهد الشيخ صباح الأحمد، أمير البلاد الحالي. وينسب المعارضون هذا إلى حقبة رئيس الحكومة الحالي الشيخ ناصر المحمد الصباح، والذي بحق أوصل الكويت داخلياً إلى أسوأ فتراتها منذ قيامها وتأسيسها في القرن الثامن عشر! وبرأيي فإن الذنب مشترك بين الحكومة التي يرأسها الشيخ ناصر وبين مجلس الأمة الذي يعتبر الأسوأ في تاريخ الكويت وبرئاسته الهرمة إدارياً ومشاغبيه من التكتل الشعبي وتيار الإخوان المعروف بحدس وتيار السلف والسلفية العلمية الذين ضيعوا على الكويت سنوات من الكفاح والتطور السياسي، وضربوا أسوأ الأمثلة في الممارسة السياسة، حتى أنهم أضاعوا كل التنمية بسبب بضعة ملايين استغلت في المال السياسي، وهي لا تتجاوز أحد تجاوزات مسؤول في بنك دبي الإسلامي أو عمولة مناقصات أولبيات العالم في الدوحة أو رشوة كأس العالم، أو أرض بوضع اليد لأمير في السعودية. لم يدركوا أن الأولويات تحدد مسار الدولة، وأن السعي وراء المجرمين يضيع حقوق الطيبيين، ويدخل الدولة في سجال سياسي عقيم دام عقوداً. وبجد، الحمدلله، أن للكويت مجلس أمة، ولديها حريات واسعة جداً وإلا لكانت انضمت مبكراً للثورات العربية، وكانت أول الدولة الخليجية. يجدر الانتباه إلى أني نبهت كثيراً إلى أن الاضطرابات التي تمت في البحرين لا تحمل أي بعد ثوري ولا إصلاحي حقيقي، بل هي في الحقيقة بردت شعوب الخليج كلها، وجعلتها تتمسك أكثر بقياداتها، كونها أرعبتهم في العمق من احتمالية سيطرة شيعية ايرانية مسيسة للمنطقة، وهو ما أخشى أن يلعب عليه الحكام في الفترة القادمة، متأملاً من الشيعة في المنطقة الانتباه من استغلالهم لتبرير اضطهادهم أكثر، وتضييع الاصلاح الشامل من الخارطة السياسة. ليبيا جاءت في المركز السادس (64)، وهي الدولة غير الخليجية الوحيدة في التنمية البشرية العالية منذ فترة، رغم أن دولتين انضما لها هذه السنة. وليبيا هذه، هي ليبيا القذافي، وليست ليبيا المجلس الإنتقالي، وليبيا حققت ذلك من أكثر من سنتين، وفي حقبة القذافي، ولهذا فإن على ليبيا الآن أن تثبت لنفسها وللعالم أن ثورتها كانت تستحق، وهي قادرة أن تجعل ليبيا أفضل من الحقبة السابقة التي تخللها الاستعباد السياسي والنفي والسجون والقتل. إن لدى ليبيا تحد كبير جداً، فلو أنخفض مستوى التنمية فيها فإن العالم بالذات حلف الناتو الذي قاد هزيمة القذافي سيشعر بالاحباط، وكذا مثقفو الوطن العربي، لأن التنمية تخفى على عامة الناس، لكنها لا تخفى على الواعي والمنتبه. في المنزلة السابعة جاءت لبنان (71)، وعلى غير المتوقع،، خاصة بعد توقف الحروب والصراعات المستمرة؛ وللأسف، رغم طيبة نفسه وحسن تعامله فإن حكومة الحريري تشبه حكومة الكويت، طيبة لكنها لا تصلح للقيادة، وقد شغل الحريري البلاد في صراعات وقضايا جانبية، ودخل في لعبة حزب الله الذي يعيش على الصراعات، رغم أن شعبية التالي صارت تتلاشى مؤخراً بعد موقفه مما يجري في سوريا، وهذا ساعد في نزول تحركاته وطاقته، وسمح للبنان بالتحرك تنموياً إلى الأفضل. وهي المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يكون فيها تنمية بشرية عالية .جاء في المنزلة الثامنة (89) سلطنة عمان، بتراجع في السباق لكن حافظت السلطنة على كونها تنمية بشرية عالية. وعمان دخلت سباق التنمية البشرية العالية من سنوات قليلة، وكانت هي الدولة الخليجية الأخيرة التي تنضم لركب التنمية البشرية العالية.في المرتبة التاسعة والأخيرة عربياً وعالمياً في التنمية البشرية العالية جاءت تونس ، وتونس هذه هي تونس الثورة على عكس ليبيا، وهي بذلك تسجل أول نجاح عالمي ومحلي وإقليمي لها، وتثبت أن ثورتها كانت تستحق، وجميل أن تأتي النتائج الآن لنعرف هل سيحقق حزب النهضة في السنة القادمة مرتبة أفضل من 94 عالمياً أم لا. ما يهمنا النتائج لا الشعارات ولا الكلام، وهذا ما نتمناه لتونس لتكون مثالاً جيداً في التركيز على التنمية والتطور والانسان التونسي بالقرب من تونس وهي الأولى على تنمية بشرية متوسطة الأردن (95)، ثم الجزائر (96) ثم الثاني عشر عربياً مصر (113)، وهي مصر مبارك والثورة، والمقياس في نتائج الثورة السنة القادمة، رغم أن المؤشرات لا تشير إلى تحسن مصر، كون أن الثورة لم تحقق نتائج حقيقية على المستوى السياسي؛ فالحكم العسكري مستمر منذ 1952 لكنها حققت انجازاً على المستوى المالي إذ أنها أوقفت نزيف المليارات المسروقة من قبل مبارك وعائلته وحزبه وجماعته في المستوى الثالث عشر عربياً فلسطين (الأراضي المحتلة) ولأول مرة في التقرير، ومتقدمة عن السنوات الماضية (114)، وفي الحقيقة فإن فلسطين وإسرائيل تحسنتا تنموياً. في الحرب الكل يخسر، في السلم الكل ينتصر بشكل عام، ويتحقق العدل بعد حين لصاحب الحق. لو ركز الفلسطينيون على التنمية فسيحققون ما يريدون وأكثر، رغم أن إسرائيل ستحافظ على مكانة قوية، كونها دولة تمتلك مقومات قوية في المعرفة والتكنولوجيا والحقوق والبحث العلمي وغير ذلك من مقومات الدولة التنموية. إسرائيل لا تزال الأولي في المنطقة (17 على مستوى العالم)، وتطورها يفوق تطور كل دولة عربية في المرتبة الرابعة عشر سوريا، وهي سوريا ما قبل الثورة، ولاشك أن الثورة في سوريا سوف تجلب لسوريا تراجع كبير في التنمية بسبب التقتيل والإجرام وضياع التنمية والاستثمار والتعليم والصحة.. الخ. النظام أساء إلى سوريا والثورة ستكمل الإساءة لتطور التنمية لسنوات مديدة، قد تتصل بالاجتياح الغربي المتوقع في منتصف أو نهاية العقد الحالي في المرتية الخامسة عشر، دون تطورات حقيقية، المغرب (130)، ومشكلة المغرب ليست سياسية ولا حريات، بل يتمتع المغرب بحريات واسعة وأمن ملفت، لكنها التنمية بكل أنواعها العميقة الأخرى من صحة وتعليم؛ فنصف الشعب المغربي يعيش في أمية وبقرب خط الفقر. بعد ذلك تأتي العراق، التي فشلت فيه الحكومات المتوالية، بالذات الحكومة الحالية ذات البعد الطائفي لتحقيق أي تطور للشعب العراقي سوى تثبيت القوات الأمريكية لإخماد الإرهاب الذي قل كثيراً ليس بسبب القوات العراقية، بل كالعادة بسبب القوات الأمريكية الغازية. العراق في زمن صدام يكاد يكون هو العراق في زمن الحكومات الحالية والأحزاب السياسية، مع تحسن طفيف. ويفتقر العراق للنضج السياسي فهو يشكل تحالف حكومي على مبدأ المحاصصة بين الأحزاب، فقضى على أي شيء اسمه معارضة، بل جعلها كعكة تقسم على الأحزاب، وتخلو العراق من المؤسسات الحقيقية المدنية الشعبية؛ والشعب قليل التحرك المدني، ولا تحسن مؤسساته سوى المظاهرات أو العنف أو الشكوى أو التكاسل والانهزام. ويفقتر الشعب العراقي حالياً لنساء ورجال حقيقيين يقودون التغيير المدني من خلال مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة. مع ذلك فإن العراق، رغم أنه من الدول الأكثر غنى في المنطقة بالموارد، لكن هو الآن في تنمية بشرية متوسطة، وهو تطور عما كان فيه قبل سنوات هذه الدول العربية التي كانت في تنمية بشرية متوسطة أما الدول العربية التي في تنمية بشرية منخفضة فهي كالعادة: اليمن (154)، وموريتانيا (159)، وجزر القمر (163)، وجيبوتي (165)، والتي لا نعرف سبب كونها عربية إلا أنها عضو في الجامعة العربية، ثم السودان (169)، في انخفاض مرعب ينبئ بثورة وانفجار شعبي للوضع، وقد آن الآوان لتنحي الرئيس السوداني وحكومته وحزب الترابي والمهدي وغيرها وظهور تحرك شبابي واعي ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة والحقيقية، وتوقف عن فكر الصراع الثوري والجهادي والدخول في فكر الدولة. مؤسف أن تكون السودان هي الدولة العربية الأسوأ في المنطقة، ورغم أن الصومال لم تدخل التقييم إلا أنها أسوأ كذلك من السودان أما اليمن ففي تعبير الناقد حسنين هيكل دولة تحاول تخرج من القبلية إلى الدولة، لكني أخالفه الرأي، فاليمن هي دولة تتحول من الحزبية إلى القبلية، فالثورة التي تنقاد لأمير قبيلة، ويستجيب كبار الضباط فيها له، ويهدد أمير قبيلة بإخراج الرئيس حافياً ثم يفعل ذلك فعلاً في محاولة الاغتيال الأخيرة، ثورة لن تستطيع أن تحقق ما لم يحققه الحزب القبلي الحالي إن الدولة كلها منشلة في مسيرات وهي تعاني الأمرين ليس من الحكم بل من التنمية من قبل ومن بعد صالح.